الاثنين، 7 سبتمبر 2015

اللاجئون السوريون وأزمة الإنسانية

اللاجئون السوريون وأزمة الإنسانية
بحثاً عن إجابات
ميساء أبو هلال

أعلن آذار 2011 ميلاد حلمٍ جديد بالحريّة، حرية سوريا وإنسانها، أو هذا ما أأملناه قبل أن يتفرّق دم الحلم وتشتت البوصلة ليتشتت بذلك أكثر من خمسة ملايين إنسان سوريّ.
كثر الحديث والأخذ والرد وتهشيم كل طرف للآخر، وادعاء طرف ما أنه الأكثر عقلانية وتأكيد آخر أن الخطب جلل. وأنا بين كل هذه الآراء حينًا ومع أحدها أحيانًا، ولكن لا بد أن توضع الأمور في نصابها وأن ننظر للأمر بشمولية قد الإمكان.
لن أدعي أنني “سأخترع العجلة” ولكنني أحاول، أبحث وأسأل، واليوم أكتب لعلي أفهم. في هذا المقال سأحاول الإجابة على أسئلة أرقتني حول أزمة اللاجئين السوريين، أعدادهم ووجهتهم، وفهم دور كل من دول الجوار والدول الأوروبية في هذا الشأن، وعن سبب طرح سؤال اللاجئين اليوم.

لماذا الحديث عن اللاجئين اليوم؟ الآن فقط "فهمتم"، يسأل البعض ؟

هذا سؤال طُرح كثيراً، وإذا ما أخذته بمحمل سلبي فإني سأصفه بالعدمية، إذ أن بعض الناس إذا ما رأوا باب سؤال تطرق أبوابه وقضية تخضع للنقاش إلا وعاجلونا بكلام من نوع: لماذا الآن؟ ألم تبدأ قضية اللاجئين منذ بداية الثورة؟ ويجلدون من حولهم في سلبية تحرمنا من أي فرصة للتقدم.
أطالب دوماً بالمراجعات، ولكن تلك المراجعات والمحاسبات التي من شأنها أن تدفع لتغيير الحال، تشجعنا على أن نصنع معروفاً، ولو كان أن نغرس فسيلة أو أن نروي فكرة تدفعنا لنحلم ونعمل.
الحديث عن أزمة اللاجئين اليوم ازداد، وليس صحيحاً ادعاء البعض أنه وليد اليوم، في ظل ارتفاع ملحوظ في أعداد اللاجئين، وكما أشرنا سابقاً فإنه من المرجح أن تزيد معدلات الهجرة أكثر. وبالرغم من أن قضية اللاجئين قد طرقت أبواب مسامعنا منذ بدء الثورة، إلا أن المساواة بين تلك المرحلة  وحالهم اليوم هو خطأ منهجي أمام بحث عن حل مناسب.
الحديث عن أزمة اللاجئين:
الأرقام/ الأرواح:
بحسب تقرير مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 29 أغسطس 2015 فإن عدد اللاجئين السوريين بلغ 4 ملايين و88 ألف لاجئ (49.5%) ذكوراً و (50.5%) إناثا على اختلاف فئاتهم العمرية، في حين تشير الإحصائيات قبل ذلك بثلاث سنوات ومع بدء الأزمة السورية أن العدد لم يتجاوز العدد 193,513 لاجئ، وبعدها بعام بلغ عدد اللاجئين 1,830,557 (مليون و800 ألف) لاجئ تقريباً. وفي 2014 بلغت الزيادة أكثر من مليون لاجئا ليصل العدد إلى 2,965,880. بين عامي 2014 و2015 تتضاعف العدد ليصل لما وصل إليه اليوم. [1]

ما أود تأكيده من كل ما قد يبدو (أرقاماً) هو حقيقة بديهية ولكننا ننساها أحيانا، مفادها أن أزمة اللاجئين ليست وليدة اليوم بل تفاقمت تدريجياً وبأشكال شتى لتبدو اليوم وكأنها تفجرت فجأة في عين من لم يتابعوا الأمر من قبل، وكانوا بحاجة لـخمسة ملايين لاجئ لينتبهوا.  
الوجهة/ أين المفر؟
·         دول الجوار:
تشير التقارير[3] أنه في أبريل/مايو 2011 بدأت حرجة البحث عن اللجوء وكان أكثر المهاجرين من النساء والأطفال متجهين إلى لبنان. تركيا كانت الوجهة الثانية زمانياً مع مطلع يونيو 2011، تلتها الأردن في يوليو ليصل عدد اللاجئين الذين استقبلتهم مع نهاية العام إلى ألفي لاجئ.

في نوفمبر من نفس العام أعلنت تركيا ترحيبها بأعداد كبيرة من اللاجئين وقد خصصت مبلغ 15 مليون دولار لبناء ستة مخيمات لجوء. ازدادت كثافة الهجرة في مارس من السنة التالية متجهين إلى لبنان بسبب اضطراب الأوضاع في المدن والقرى المجاورة للحدود. ثم في إبريل من السنة نفسها افتتح أول مخيم في العراق.

 بتاريخ 12 أبريل، وتأثرا باتفاق الأمم المتحدة للهدنة ووقف إطلاق النار سجل عدد اللاجئين الأعلى في حينه حيث اجتاز اكثر من 2500 لاجئ الحدود السورية التركية. في نهاية يوليو 2012 تقرر إنشاء مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، تجدر الإشارة أنه في سبتمبر، أي بعد شهرين فقط من إنشاء المخيم حصلت اضطرابات واحتجاجات من اللاجئين احتجاجاً على ظروفهم، وقد عاد 6000 لاجئ إلى سوريا في ذاك الحين. يضم مخيم الزعتري اليوم قرابة 113,000 لاجئ، فيما تضم تركيا، التي سجلت أعلى نسبة لاستقبال اللاجئين السوريين عالمياً حيث سجلت بحلول نهاية يونيو 2015  أكثر من مليون نصف المليون لاجئ ( 1,772,535).

تكثر التفاصيل منذ ذاك الحين إلى اليوم خصوصاً إذا ما تحدثنا عن أوضاع اللاجئين منذ بداية الأزمة ومع تزايد أعداد اللاجئين وتعاقب الشتاء والصيف مروراً بشتاء 2013 الذي كان الأقسى منذ عقد من الزمان لتسجل مئات الحالات موتاً من البرد وليس انتهاء بصيف 2014 حيث سجلت أول حالة إصابة في شلل الأطفال في العراق، وليكثر الحديث عن خطر نقص التغذية على اللاجئين في لبنان.

·         أوروبا
حتى سبتمبر 2013 لم تكن أوروبا على خارطة اللجوء، لتقرر ألمانيا أول قرار يتعلق باللاجئين السوريين بأن تستقبل (5000) لاجئ لمدة معينة (سنتين فقط) على دفعات، كانت الدفعة الاولى 107 لاجئين فقط، وهو ما عدلت عنه في نهاية الشهر الماضي لتقرر أنها ستمنح اللاجئين السوريين حق اللجوء السياسي وأنها مستعدة لاستقبال ما يصل إلى 800 ألف لاجئ.[4]

وقد سبقتها في ذلك السويد التي أعلنت منذ 2013 أنها مستعدة لاستقبال اللاجئين السوريين وأنها ستمنحهم إقامة دائمة. مع نهاية يناير 2014 أعلنت بريطانيا أنها مستعدة لاستقبال اللاجئين.  وفي أول سبعة أشهر من 2014 عبر 87 ألف لاجئ المتوسط إلى إيطاليا. بين عامي 2011-2015 بلغ عدد اللاجئين في أوروبا بين 348,540 لاجئا، سجلت ألمانيا والسويد 47% منهم فيما تستقبل صربيا وكوسوفو وهنغاريا وأستريا وبلغاريا وهولندا مجتمعة 33%.[5]

إذا، لا بد من الإشارة هنا لحقيقة أن دول الجوار كانت سباقة في استقبال اللاجئين، وأن عدد اللاجئين في مخيم الزعتري وحده –مثلا- يبلغ ثلث عدد اللاجئين في أوروبا كلها. إنّ تسرّعنا في إطلاق تعميمات إيجابية أو سلبية أمر غير صحي. انقسم الناس بين من يصور أوروبا أنها حامية حمى اللاجئين السوريين ومن احتوتهم علما أنها لم تشرَع بذلك إلا بعد مرور أكثر من سنتين على الأزمة، بينما يرد فريق آخر أنها دول كافرة ويخلط بين سياسات هذه الدول المتراخية فيما يتعلق بأخذ قرار حاسم ضد بشار وبين موقفها مع اللاجئين الذي تتعدد دوافعه .
وكذلك الحال عند الحديث عن دول الجوار. غير أن لغة جلد الذات والاتهام والتخوين منّا أنفسنا غلبت حينما رأينا الخير الذي تجود به أوروبا. هل من الصعب علينا أن نقدر الخير كله دون أن نزايد على أحد لماذا أصبح "الأردني" مضطراً أن يدافع عن إنسانيته وعن إيمانه بدوره في نصرة "أخيه" السوري؟ ولماذا هذا الخلط المجحف بين ممارسات شعوب دول الجوار وبين دور الحكومات المخجل والبائس؟ وكلنا يعي حال حكوماتنا!

ممارسات الدول:
بالنظر لكل ما ذكر سابقاً، ، يتأكد أن دول الجوار كانت السباقة في استقبال اللاجئين بأعداد كبيرة لبنان وتركيا والأردن وحتى العراق، سواء كان هذا بإرادتها أو رغماً عنها، أعني بذلك تدفق اللاجئين غير المنظم عبر الحدود. ولكن، ينشأ هنا سؤال كبير حول ظروف وحقوق هؤلاء اللاجئين. بحسب المواثيق الدولية هناك حد أدنى من الحقوق التي يجب أن تكفلها الدول المستقبلة للاجئين، غير أن تجاوب الدول مع هذه المواثيق يختلف اختلافاً كبيراً لعدة أسباب منها الفساد الإداري والماليوهو ما ينتج عنه نهب الكثير من المخصصات المالية لتحسين أوضاع اللاجئين، إضافة لفقر الدول إقتصادياً واضطرابها سياسياً وتقويضها حرية اللاجئين في العمل والسكن.

يختلف الحال في أوروبا من مكان لآخر ومن حالة لأخرى، ويتغير كذلك بحسب القوانين التي تصدرها الدول كما اشرنا للحال في ألمانيا سابقاً. إن وصول اللاجئ صدفة أو جهلاً في قوانين الدول إلى دولة مثل هنغاريا أو مقدونيا تمنع استقبال اللاجئين وتفرض قوانين صارمة بحقهم يعني أن أوضاعاً لا إنسانية ستكون في انتظارهم: احتاجز في مراكز الشرطة، حبس في أقفاص حديدية، مطاردة وعنف في طريقة الاعتقال، إلى أن يتم ترحيلهم لدول تقبل استضافة اللاجئين.[7] على النقيض من ذلك يصرح رئيس وزراء فنلندا أمس السبت 5 سبتمبر أنه سيعرض منزله الخاص على طالبي اللجوء.[8] يختلف الحال في هذه الأخيرة إذا ما تمكن اللاجئ من تحصيل الأوراق الرسمية التي تفيد بحصوله على حق اللجوء، ولكن الطريق بين الوصول للدولة المستقبلة وبين الحصول على هذا الحق ليس سهلا ولا قصيراً، والثمن قد يكلف أرواحاً بالعشرات، والأطفال أكبر المتضررين.

هل الحكومات العربية مقصرة؟ بالتأكيد، غير أن تقصيرها في حقوق شعبها الأصلي سابق لتقصيرها في حق اللاجئين، وهنا تصبح الأمور مفهومة وإن لم تكن مقبولة.
وهل دول الجوار أولى من غيرها في استيعاب اللاجئين السوريين؟ قد أقول نعم من حيث المبدأ، غير أن الأمر يحتاج لدراسة جادة للموارد والطاقات، الخ.
هل في وسع أوروبا أن تقدم أكثرعلى الصعيد الإنساني؟ بكل تأكيد. وليس علينا، باعتقادي، أن نبالغ في خلط الدور السياسي بالإنساني. ولا بد أيضاً الإشارة إلى أن الكثير من التحسينات فيما يتعلق بظروف اللاجئين واستقبالهم متأثرٌ بآراء شعوبهم ومطالبهم.

ممارسات الشعوب:
غير أني منحازة لخيرية الشعوب، لخيرية الإنسان فينا. لنضع الأمور في ميزانها ولنلبس ثوب الموضوعية. القصص المؤثرة عن احتواء اللاجئين في الدول العربية وتركيا لا حصر لها في مختلف المجالات وعلى مختلف المستويات. غير أنه ومع تزايد الهجرة إلى الطرف الآخر من المتوسط "اكتشف" البعض إنسانية "الإنسان الأوروبي"، وهي ليست وليدة الأزمة، من خلال تعاطفهم مع الشعب السوري وحسن استقبالهم. إنني قد أخالف نفسي في تقسيم كهذا، فالنظرة الإنسانية للقضية وتحقيق المصلحة الأكبر للاجئين تستوجب منا أن نجعل الإنسان روحا وعقلا وجسدا هو العنوان بعيداً عن التقسيمات العرقية والإثنية.
إنني مدركة لوجود ممارسات سيئة وقصص مؤلمة وجور من القوي على الضعيف واستغلال الغني حاجة الفقير ، ولا يجب علينا إغفال هذا الجانب لأننا بذلك سنكون قد قبلنا وقوع الظلم على  أي أحد.
ما نحتاجه بشكل كبير في رأيي حملات توعية للمجتمعات في الدول التي تستقبل اللاجئين، وإحياء القيم الإنسانية فيهم من جهة، وتوعية للاجئين بحقوقهم من جهة أخرى. إضافة لذلك، لا بد من أن يكون هناك قانون يحمي اللاجئ ويكفل له حقوقه وإنسانيته ضد الممارسات الظالمة التي قد ترتكب في حقهم.


ماذا نفعل؟
آمل أن يكون عندي جواب شافٍ لسؤال صعب، الاستسلام عدمية ، بإمكاننا أن نفعل الكثير. سأحلم وأقول أننا لو تخلينا عن أنانيتنا وحققنا مفاهيم وقيم تحدثنا عنها طويلا سيكون الحال أفضل بالتأكيد. لو قدمنا من أوقاتنا  أكثر، لو تطوعنا مع جمعيات ومؤسسات لشهر واحد أو أكثر، لو اقتطعنا من رواتبنا أو مصروفنا الشخصي مبلغاً نكفل به قوت عائلة أو تعليم طفل، أو اجتمعنا مع فريق وأسسنا مشروعاً.  كل هذه أشياء جميلة ممكنة متاحة تتحقق إذا ما كان تفاعلنا مع القضية أصيل عميق في القلب والعقل، لعمل شيء مدروس ومخطط له بعلمية مضمون الاستمرارية وليس ردة فعل عابرة.
منذ صغري.. كنتُ أفضل أن أشتري كتاباً على أن آكل وجبة..
هذا ما قاله يوماً الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله. العظيم، أن هذا الشيخ الجليل لم يشتر الكتب ليقرأها أو يورثها فقط، بل عاشها وأحيا معانيها.
أكثر ما أفكر فيه هذه الفترة هي حاجتنا لأن تدب فينا وخصوصاً نحن الشباب أرواحاً مثل روح عبد الرحمن السميط، فشدة الزمن الذي نعيشه أكبر من ظنونا بأن القليل الذي نقدمه فضيلة.
قيم مثل البذل والتضحية والإيثار الحقيقي.. هي ما نحتاجه.. فالخطب جلل. الحزن وحده لا يجدي، والدموع لن تحيي الأمل.