الثلاثاء، 15 مارس 2011

أحلامٌ جائعة! -1-


أحلامٌ جائعة!



"نزداد جوعا لشيء ما .. بقدر حرماننا منه".. وكأن أحداث حياتها قد رسمت داخل أبعاد هذا الإطار..!
كذاك كان جوعها للحرية..  وجوعها لوطن!! بعد أن نشأت .. محرومة من أيّهما!
أي مجاعة تلك التي كانت تفتك بأحشائها..
جائعة .. وما من "حرية" تغذيها..عطشى.. ولم ترشف نسيم الوطن.. فيرويها
أطلقت صرختها الأولى معلنة وصولها هذه الدنيا..
غير أنها مع شهقتها الأولى.. لتدخل أول ذرة أكسجين "خارجيّ" إلى أعماقها..
كانت تزداد اختناقا..
ومع أول قطرة من حليب أرضعتها إياهُ امّها.. كانت تزداد جوعا..
وكأنها ترضع.. لتزداد جوعا للحرية..
وتتنفس.. ليزداد اختناقها في بعدها عن الوطن

كم غافلتها قطرات ماء، تباغتها،  من مكان ما، من عين أمها، فيتبلل خدها الورديّ، .. في لحظة أقرب ما تكون فيها من نبض أمها!!
وكأن ساعة الرضاعة في حضن أمها.. هي موعد.. لتشبع وتجوع في آن معاً!..
لم تكن تعرف.. أن نبض أمها.. مضطرب موجوع!!

مازالت طفلتها.. لم تعرف "بابا".. كما هو عصيّ عليها أن تفهم معنى هذه الدموع!!
ومازالت طفلتها لم تعرف أن "بابا" .. ممنوع من الرجوع!!
...
كبُرت "أحلام".. عامين ونصف العام..
وغادرت مع أمها "ذاك المكان"..
وحلّقا معا فوق السحاب..
بجناحين.. أحدهما ينبض شوقا.. والآخر يكتنز الأحلام
لتحملها الريحُ لذاك الذي كانت تسميه ماما: "بابا"
وبعد ساعات طوال.. لم تعرف فيها نبضاتُ أمها استقرارا أو اتزان!!
التقاها.. والتقته!! والتقتهما أحلام معا.. لأول مرة!!
ليكون قمر هذه الليلة مختلفا.. إنه اول قمر يشهد اجتماع الثلاثة معا.. "فوق الأرض"
ما دريت أرتمى في حضنها.. أم أنهُ أغرقها  بين يديه الكبيرتين..
في بحر أشواقه التي اختزناها منذ عامين وسبعة أشهر!
آلا لعنة الله على الظالمين.. ألا لعنة الله على من حرموني منكِ يا "أحلامي"
قرارٌ بالإبعاد وقد بقي شهر واحدٌ فقط على وصولكِ لهذه الدنيا..
ليجسدوا ظلمهم وغطرستهم! أيّ عروبة كاذبة كانت تسري في عروقهم!
تجمدت الكلمات في فيه.. وكأني به طفل صغير.. أصغر حتى من "أحلام"
وشعر بدفء الدم يسري في عروقه.. وكأن قلبه يخفق لأول مرة!!
الأم ذاهلة تبكي وتبتسم في آن وتقول بصوتها المبحوح: أحلام.. هذا "بابا".. حبيبك بابا
بحدة عينيها الكاحلتين.. رمقته أحلام
وتمتمت: آآآه... بابا..
صمتت بضع دقائق.. حدقت بعيني والدتها..
علّها تجد إجابة ولو لسؤال واحد من عشرات الأسئلة التي ضاق بها رأسها الصغير
نقبت في ذاكرتها الحديثة.. بل وحتى في ذاكرتها القديمة.. القديمة جدا..
مذ كانت في أحشاء والدتها..
مذ سمعت صوت والدها يناديها قبل أن يراها: هيا يا أحلام.. تعالي أشرقي في دنيانا.. علّ حضوركِ يكون الشعلة التي تتحقق بها أحلام أمتنا..!
تاهت في بحر أفكارها..
أين رأيت هذا الوجه.. !! هل هو نفسه الذي في الصورة!!
 تلك الصورة التي كانت تريني إياها أمي كل صباح..
وتحرك شفتاها ببطء: هيا يا أحلام، هذا بابا.. قولي معي.. بابا..
ثم تغمسها في جيب ملابسي.. وقد بللتها دموعها!!
استجمعت أحلام بقايا ما عرفته عن هذا الـ بابا..
ارتمت في حضنه مُستسلمة..
وانهمرت كل الدموع التي خزّنتها أمّها في جوفها مع كل قطرة حليب!
وانطلقت من أعماقها صرخة باكية ... دوّت في أرجاء المطار.. لتذهل الواصلين والمستقبلين!
بـــابـــا..!!