السبت، 28 مارس 2015

"في حضرة الغياب"



لم أكتب يوماً شيئا عنها.. رغم أنها الأكثر استحقاقاً لكلمات الامتنان.. 

رواء تكبرني بسنة وثلاثة عشر يوماً.. كل أحداث حياتنا المميزة تشاركناها معاً...بلد الميلاد.. الروضة.. المدارس المختلفة.. في البلدان المختلفة.. رحلاتنا من وإلى الجامعة...
وبينها..نوادي ومراكز الطفولة.. مسابقات القرآن.. مسجد الملك فيصل .. مسجد النور.. القيام ورمضان و التسابق (والغش أحياناً) في ختمات القرآن... المهرجانات...النشيد والدف والدبكة..
اللعب في "البسكليت" .. والقفز عن سور الحديقة.. وعصير لاكنور موز بحليب وشيبس بيبي سناك .. 
الشوكولا الساخنة والشاي هما المشروبان الوحيدان اللذان نشربهما أنا وهي.. ووصلنا لنتيجة أن ألذ هوت شوكليت على الإطلاق هي في كاريبو.. 

كل شيء تشاركناه معاً... كل شيء 

....
غالباً، وحتى اليوم، مازال الناس.. حتى أقرب أصدقاء العائلة يختلط عليهم اسمينا.. في المدرسة: أوقفت المعلمة الحصة ذات يوماً لتقول لي: "ازاي انتِ هنا؟ مش انتِ كنتِ في صف حادي عشر.."
وأوقفتنا معلمة أخرى مرة ونحن نسير معا في ساحة المدرسة: "أنتو التنتين.. تنتين؟ يعني مش واحدة؟ كيف هيك؟"

وغيرها الكثير من المواقف التي كنا ننفجر ضحكاً منها... 
.....
أنا ورواء نسجنا كل ذكرياتنا معاً.. 
وكذلك .. أحلامنا وطموحاتنا وخيالاتنا... صورتنا عن المستقبل.. 

ومن أحلام طفولتنا المجنونة.. أننا أول مرة عرفنا فيها عن "التوأ السيامي" قررنا أننا بالتأكيد سنرتبط بتوأم سيامي كي لا نفترق عن بعضنا أبدا!! 
بعد ذلك.. تبين أن الأمر مستحيل.. 
فقررنا أننا بالتأكيد سنعيش دائما في نفس البلد ..أيا كان هذا البلد.. وسنكون جارتين جميلتين.. (اليوم أقول أنني بالتأكيد سأعتمد عليها في وجبة الغداء وأنا سأعد لها سندويش الإفطار والعشاء).. 

*طبعا. مذ رأينا صوررة للتوأم السيامي.. كنا نستهبل حتى بعد ان كبرنا ونلصق رأسينا ببعضهما.. وقدمينا كذلك ونسيرمعا بخطوات متشابكة...
.......
قضينا آخر 4 سنوات لنا في الإمارات ونحن نتأهب كل صيف أن نسافر دون عودة.. 
وكنا بعد نقاشات تحديد المصير مع بابا وماما.. ننزل أنا ورواء دائما للبحيرة نسجل فيديو لنا معاً ونسرد فيه ذكرياتنا ونصور الأماكن التي سنحفظها في الذاكرة. 
ذاك الكرسي، تلك الشجرة، جسر "الفردان" ، حديقة المجاز...الخ الخ 
.....

ومن تقادير الله العجيبة أنه حين انتقل أهلي للإقامة في قطر كان قد بقي لي سنة واحدة في الجامعة.. وكانت أختي روااء قد تزوجت في ذات الصيف.. 
ماما كانت تقول دائما أنها لن تغرّبنا أنا ورواء بعد استيائها من تجربة تغريب أختينا إباء ووفاء للدراسة.. 
ولكن قدر الله غالب..ووضعها ووضعنا أمام قدر صعب تحفه ألطافه سبحانه.. 

وفي يوم تخرجي من الجامعة.. لم يكن معي أحد من عائلتي ،لا بابا ولا ماما ولا أي أحد من أخواتي، إلا رواء.. 
كانت في شهرها التاسع، وكان قيظ يونيو واختناق المكان عذراً كافيا لها لتغيب.. ولكنها كانت هناك من أجلي.. كما هي دائما .. منذ طفولتنا وحتى اليوم.. 

حتى عندما عدت للشارقة في زيارة (مفاجأة لرواء - والحديث عن تفاصيل المفاجأة وترتيباتها يحتاج تدوينة خاصة) لاستلام شهادتي الجامعية.. أتت هي معي لنستلم الشهادة معاً وتكون من حديد شاهدة على محطة جديدة من أهم محطات حياتي. 

كانت سنة غربتنا المشتركة القدرية سبب رباني آخر لتوثيق عرى علاقة استثنائية. 
.....

رواء.. تأخذ بيدي وتأخذ على يدي.. 
كانت دائما في صفّي حتى أمام والدينا.. ولو لم تكن مقتنعة تماما فقد كانت تسرّ لي برأيها وتشد عليٌ وتعاتبني ولكن فيما بيننا فقط.. كي لا تضعف موقفي وحجتي. 

...

لم يمضِ زمنياً وقت طويل على آخر مرة زارتنا فيها رواء.. الأمور كما قيل، ليست بعداد الزمن وانما بعداد المشاعر.. 
اليوم.. وكل يوم أفقتد رواء كثيراً.. 
وأحتاجها كثيراً..

يعز علي أن تغيبَ هي عن تفاصيل يومي وأغيب أنا عن تفاصيل يومها.. 

كل القرارات الصغيرة جدا.. والكبيرة جداً.. كنا نأخذها معاً ونتناقش ونحلل ونتشاور.. 
اليوم... ومنذ سنة ونصف.. تغيرت الأشياء.. وحالت بيننا لعنة المسافات.. 

وسأغني كما كنتُ أغني مع رواء دائما:
لن تباعدنا أيها السفر.. نلتقِ يوماً وفي الدنيا قمر 

**رواء هي كما كانت دائماً.. أجمل أخت..وهي اليوم أجمل أم لأجمل لطفلة (ريم - التي ولدت في نفس شهر ميلادي، بل يفصل بين يوم ميلادي وميلادها يوم واحد فقط) 
ومتفرغة لمراجعة حفظها لكتاب الله.. فادعولها ربنا أن يعينها..

*** لا يوجد سبب "منطقي " لكتابة هذا ونشره اليوم.. غير أنها الجمعة.. لاستحضار الأشواق.. 
وبعض الاشتياق جارف...

**** كنتُ دائما على يقين أنني محظوظة بأن تكون أختي من أبي وأمي هي حقيقة أختي في الله...واليوم ازداد يقينا بذلك ألف ألف مرة. 
--------
يبدو يارواء أن كتابة تدوينة عنّا أمر صعب.. 
أكثر مما تخيلت


ليست هناك تعليقات: